معالجة الاستبداد السياسي في الفكر الإسلامي
معالجة الاستبداد السياسي في الفكر الإسلامي
ابن أبي الضياف والكواكبي وحسين نائيني نموذجاً
الأستاذ مهند أحمد المبيضين (1)
بسم الله الرحمن الرحيم
ما يزال الباحث في فكر النهضة العربية عبر مشروعها التاريخي الطويل، يجد نفسه أثناء البحث، يسير في محاولة لتأكيد الهوية الثقافية ببعديها، العربي والإسلامي. وبخاصة عندما يكون ذلك من خلال البحث عن مفاهيم ومضامين التغيير التي طرقها "زعماء الإصلاح"، في واحدة من أهم مراحل تاريخنا العربي والإسلامي. وحيث تحاول المعرفة هنا الكشف عن مفاهيم ومضامين الإصلاح السياسي في عصر النهضة; فإن أول ما تصطدم به: الازدواجية في التفكير، والاتباعية في المفاهيم، والإلحاقية الفكرية بمركز الإشعاع الحضاري عصرئذ.
لقد ذهب القرن الذي عاشه الكواكبي وابن أبي الضياف وحسين نائيني، وما تزال الأسئلة التي طرحوها دونما إجابة، وما تزال محاولات البحث عن الاحتوائية الغربية في مغزاها السياسي والفكري ماثلة فينا، عند طرح التحدي والاستجابة ومشروع الفعل في آن واحد، في أفكار زعماء الإصلاح وما قدموه من مؤلفات وأفكار ونفائس.
وإذا تكررت المحاولات، فإن ذلك لا يعني استنفاد البحث والتوقف، إذ تجد هذه الدراسة هدفها مركّزاً للبحث عن المصادر والمفاهيم والمضامين، لمعنى الإصلاح السياسي عند ثلاثة رجال يعتبرون من أبرز رجالات الفكر الإصلاحي العربي الإسلامي. ثم إن ذلك يضعنا في مجال المقارنة بين المناخ الثقافي في المغرب والمشرق العربيين وإيران الإسلامية الحديثة، وتباين الطروحات والآراء والمفاهيم.
لقد اعتمدنا في هذه الدراسة الإتحاف والطبائع وتنبيه الأمة وتنزيه الملّة كمجال للفحص والمقارنة وذلك من أجل إمكانية تحديد الأفكار وبلورتها في إطار إشكالية الدراسة وكذلك إمكانية تحقيق أكبر قدر من الضبط لطبيعة البنية المعرفية التي استند إليها أصحاب تلك المؤلفات.
تتركز إشكالية هذه الدراسة في الإجابة على جملة من الأسئلة:
ما هي المصادر التي استقى منها ابن أبي الضياف والكواكبي وحسين نائيني أفكارهم الإصلاحية؟! وما أدوات وآليات الإصلاح السياسي عندهم؟! وهل نجحوا في إعطاء حركة الإصلاح بعداً فلسفياً خاصاً؟ ثم كيف عالجوا مسألة الإدارة الموجودة آنذاك في أفكارهم الإصلاحية؟ وهل تم توجيه النقد مباشرة للسلطة القائمة أم لا؟! وكيف لنا أن نصل إلى مضمون محدد المعالم للإصلاح السياسي عندهم، وأخيراً كيف فهم كلٌ منهم الإصلاح السياسي؟ وهل كانت هناك محاكاة لنموذج معين أم لا؟.
أولاً: الدولة العثمانية ومأزق الإصلاح السياسي (ابن أبي الضياف والكواكبي نموذجاً)
1 ـ مصادر التفكير الإصلاحي
إلى أي حدّ يمكن القبول بأن وصفاً لثقافة العصر الذي عاشه ابن أبي الضياف والكواكبي، يمثل أحد أهم مصادر التفكير الإصلاحي عندهما؟، الأمر الذي يجعل الدين صفة ملازمة لثقافتهما فيقال:
"يجمع بين ابن أبي الضياف والكواكبي التكوين الديني"(1) والذي نقرأه في سيرة كل منهما، نجد أنه بين الولادة والنشأة الأولى كان لكل منهما مساس بالعلوم الشرعية.
لقد حفظ ابن أبي الضياف القرآن بزاوية سيدي أحمد الباهي(2)، وتحصّل على نصيب من العلم(3)، ثم بعد ذلك وُلّي "خطة العدالة"، ولما توفي المفتي المالكي إبراهيم الرياحي(4)، رُشح لمنصب الإفتاء (5)، ولكنه آثر مصلحة قلمه السياسي(6) على ذلك في تلك المرحلة من حياته، وكتب يهنئ المتولي "وهذه إشارة أقدمها بين يدي تهنئتكم بالولاية"(7).
ففي الوقت الذي تكون فيه الإدارة السياسية بيد شخص واحد هو "الباي" وفي ظل غياب مفاهيم العدالة الاجتماعية والحرية، كان من الطبيعي أن يكون ابن أبي الضياف بعيداً عن "السلطة". فانقلاب حال أسرته والتجائها إلى بيت الجد، وما مر بوالده من محن كادت أن تودي به، تركت الأثر الكبير والقوي في نفسه الطامحة إلى الحرية والعدالة(8). ولعل هذا السلوك في محاولة الاستقلال من جانب ابن أبي الضياف كان من أسباب احترامه وتقديره عند البايات ومن ثم الدخول في خدمتهم. والحالة نفسها بالنسبة لعبد الرحمن الكواكبي، الذي ولد في مدينة حلب حوالي 1854م وسط أسرة كانت فيها نقابة الأشراف، وبين تقلده للعديد
من المناصب، التي كان آخرها رئاسة بلدية حلب. عمل الكواكبي في الصحافة وعُرف كصحفي بارع، له منهجه الخاص في الكتابة التحريضية مع إلمامه في الفقه والسياسة(9). وعمل في حقل التجارة حتى أصبح رئيساً لغرفة تجارة حلب عام 1892م. هذه التوجيهات والنشاطات يدعمها إلمام بالقانون ورغبة في نصرة المظلومين والضعفاء، مما أدى به إلى دخول السجن عام 1886م، بتهمة محاولة اغتيال الوالي التركي، فحكم عليه بالإعدام في حلب، ثم برّأته محكمة بيروت(10).
بعد هذا التقديم يمكن طرح السؤال التالي:
ما هي المصادر التي استقى منها كل من ابن أبي الضياف وعبد الرحمن الكواكبي أفكارهما الإصلاحية؟! من الممكن أن نستنبط هذه المصادر من خلال ما قدمه ابن أبي الضياف حول الملك وأصنافه في إتحاف أهل الزمان، ومما قرره الكواكبي حول الاستبداد، ومفهوم الإصلاح السياسي.
فيما يتعلق بابن أبي الضياف، فإن المصادر التي وردت في كتابه يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أنواع:
النوع الأول: مصادر عامة، وقد شملت القرآن الكريم، والحديث الشريف، وبعض أقوال الحكماء والخلفاء الراشدين.
أما النوع الثاني فهو: مصادر رسمية، أبرزها نص قانون السلطان سليمان القانوني ونص قانون السلطان عبد المجيد، "ولم يزل القانون السليماني في تأخر والمشيئة المطلقة في تقدم إلى أن تلافاه عبد المجيد خان بن السلطان محمود خان رحمه الله فكتب لرعاياه عهداً منشوراً سمي الخط الشريف لوجود خط السلطان فيه، وفروعه تسمى التنظيمات الخيرية" (11).
وشمل النوع الثالث مجموعة من كتب التراث الإسلامي في الجوانب الفلسفية والتاريخية، فنجده طالع كتابات كل من الغزالي، وابن رشد، وابن خلدون،
والمقريزي، والطرطوشي، والطهطاوي، وحسن خوجه (صاحب بشائر أهل الإيمان بفتوحات آل عثمان)، وخير الدين التونسي(12).
وإذا ما أجلنا النظر في كتاب طبائع الاستبداد للكواكبي، فإننا نجده قد نهل من القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة، وأشار إلى مؤلفات الرازي، والطرطوشي، والغزالي، وابن خلدون. إضافة لاطلاعه على نتاج الفكر الأوروبي الحديث أمثال ميكافيلي، ومونتسيكو والفاليري وشيلر(13).
والسؤال الآن من أين للكواكبي مثل هذا الاطلاع على بعض من نتاج الفكر الأوروبي الحديث؟!. ثم لماذا لا نجد ذلك عند ابن أبي الضياف؟!.
يبدو أن مهنة الصحافة التي عمل فيها الكواكبي، قد ساهمت إلى حدّ كبير في الاطلاع على مثل هذا النمط، وكذلك يجب أن لا ننسى أن ولاية حلب التي عاش فيها الكواكبي، إدارية واجتماعية. أما ابن أبي الضياف وهو الأكثر قرباً من مثل هذه الثقافة، فيبدو أنه نظراً لما تلقاه من تعليم في الزيتونة جعله دائم البحث في مصادر التراث الإسلامي البحتة. ورغم أن ذلك لا يعني إعفاءه من الاطلاع عليها. فالمعروف أنه سافر إلى باريس سنة 1846م وكلف عدة مرات بمأموريات دقيقة إلى تركيا(14). ثم إن تأليفه للإتحاف جاء بعد ذلك بفترة طويلة، مارس خلالها العمل الإداري والسياسي. وكان من المفترض أن نجد مثل هذا النوع من المصادر في ثنايا كتابه.
فهل نقول: إن مصادر التفكير الإصلاحي عند ابن أبي الضياف، في أغلبها رسمية، أو أنها تنزع منزعاً سلفياً، وهي عند الكواكبي تنزع إلى المعاصرة، فتعكس صورة رجل صاحب اطلاع واسع وثقافة متعددة المصادر؟ ومع ذلك فسواء استلهم كل منهما القديم أو استوحى الحديث في تفكيره، فإن التفكير الإصلاحي جاء انطلاقا من نظرية معينة في الحكم فيها الكثير من التقارب عند كل منهما؟(15).
لقد وصلت مترجمات الفكر الغربي إلى الشرق مبكراً. ولعل الكواكبي قرأها واطلع عليها، وهو ما يظهر في كتابه "طبائع الاستبداد"، وأما المتأخرون من أهل أوروبا فتوسعوا في هذا العلم (السياسة) وألفوا فيه كثيراً من المحررين والسياسيين من الإفرنج، على أن الاستبداد السياسي متولد عن الاستبداد الديني"(16).
وفي باريس، التقى ابن أبي الضياف بالشيخ رفاعة الطهطاوي، ويبدو أنه اطلع على بعض من محررات الأخير، وقرأ القانون الفرنسي من خلاله "رأيت هذه الحكاية في كتاب مؤنس عربه من اللغة الفرنسية بعض فضلاء مصر وأسماه "قلائد المفاخر في غريب عوائد الأوائل والأواخر"(17)، وهو بهذا يقصد الشيخ الطهطاوي وقد صرح باسمه عند حديثه عن القانون الفرنسي فقال "ومن أراد الاطلاع على عقد نفيس في هذا المعنى فعليه مطالعة الفصل الثالث من المقالة الثالثة من تأليف الشيخ الألمعي، الفاضل محمد رفاعة بدوي الطهطاوي، الذي ألفه في رحلته إلى باريس وأسماه: تلخيص الإبريز في وصف باريز، ولخص فيه القانون الفرنساوي"(18).
البعض يرى أن الكواكبي، أخذ مجمل كتابه من نتاج الثقافة الغربية، وبالذات من مؤلفات الفاليري، ولكنه كان يستفيد في كل ما يقرأ فيدونه ويقيده ويوثقه، إلى جانب خبرته في النضال ضد السلطة. ولقد نصّ على ذلك صراحة بتأثره بكتابات غربية في كتابه طبائع الاستبداد "على أن هذه الأبحاث (يقصد الطبائع) منها ما درسته قد ضبطته ومنها ما قد اقتبستهُ وقد حرصت في هذا السبيل عمراً"(19).
ومما سبق نجد أن مصادر التفكير الإصلاحي جاءت بشكل متواز حيث الموازنة بين المعاش (التجربة) الخاصة، والمصادر الثقافية الناتجة عن المطالعة الذاتية وهي في مجملها كتب التراث العربي الإسلامي، ثم هناك القوانين أو المصادر الرسمية، وهذه كلها إن اجتمعت توفر لصاحبها القدرة على الطرح السياسي بشكل أكثر وضوحاً وأدق تعبيراً.
ولنا أن نقول أن الكواكبي كان يشكل مصدر قلق للسلطة أو (الوالي)، بينما كان نظيره صاحب حظوة ومكانة بين الأمراء، ومع أن الأول كان رئيساً للبلدية في حلب ورئيساً لغرفة التجارة، إلاّ أن هذه المراكز هي مراكز شعبية (جماهيرية) غالباً لا يكون هناك دور للدولة فيها من حيث تقديم وتولية من تريده لها. فهي غالباً ما تأتي بإرادة وفعل القوى المحلية في المجتمع، أما ابن أبي الضياف، فقد كان على علاقة حسنة بالسلطة المتمثلة بشخص الباي، فكان بايات وأمراء البيت الحسيني يولونه مكانة مهمة، وهو الأمر الذي تكشف عنه رسالة محمد الصادق باي حينما كان أميراً للعهد، إلى أحمد بن أبي الضياف محاولة بعض الأمراء التزلف إليه والحظوة لديه، فقد كتب رسالة يلومه فيها على عدم مكاتبته إياه ولتأخره في مراسلتهم. فكتب يقول "أما بعد أتم السلام عليكم ومزيد الشوق إليكم فلقد رأينا ما لا نعهده في شمائلكم الزكية... ونكون السابق لقضاء المودّة وعلى كل حال فعذركم وفعلكم على السداد محمول"(20).
2 ـ وصولاً إلى مفهوم أوضح:
ماذا قصد الكواكبي وابن أبي الضياف في أفكارهما، وما هو مفهوم الإصلاح عندهما؟!.
إن مفهوم الإصلاح خلال القرن التاسع عشر يمكن أن يكتسب عدة معان: فهو تغيير أو إصلاح ويمكن أن يكون تغييراً وإصلاحاً وثورة ومحاكاة، ولكن يبدو أن هناك مستويين في الإصلاح في جميع الأحوال، تتابعا ولم يتزامنا في تاريخنا الحديث، المستوى الأول هو مستوى تقليد العالم الغربي والمجتمعات الغربية، والثاني جاء بعد هذه المرحلة وهو مستوى إعادة التفكير في هويتنا كمسلمين وكعرب وكحضارة(21).
يبدو ابن أبي الضياف شديد التأثر بمنهج سلفه العلامة ابن خلدون وهو الأعظـم حظوة عنده والأكثر احتراماً بين المفكرين،(22) ومع أن ابن أبي الضياف ركزّ على الإصلاح السياسي وتنظيم الملك. إلاّ أنه لم يغفل الجانب الاقتصادي فقدم أراء هامة في مجال الاقتصاد السياسي أو السياسة الاقتصادية(23) ولم يعزل الإطار السياسي عن الإطار الاقتصادي والاجتماعي(24). الأمر الذي لم نجده عند الكواكبي.
واستند ابن أبي الضياف في دعوته الإصلاحية إلى آليات محددة مستمدة من القرآن والسنة والاجتهاد، وهي كفيلة ببيان النهج الذي ينبغي سلوكه في مجال السياسة "إن قانون الملك الإسلامي هو القرآن العظيم، وأقوال الرسول، ثم استنباط الأئمة المجتهدين ورثة الأنبياء في الكتاب والسنة وبالقياس وحفظ مقاصد الشريعة".(25)
إذاً فالتركيز عند ابن أبي الضياف جاء في نقطة محددة وهي: كيف يمكن للاجتهاد فهم هذه الشريعة، كتاباً وسنة وفقهاً، حتى تصلح أحكامها لتدعيم مواقف السلطة السياسية إزاء ضغوط إسلامية وأخرى مسيحية وحتى يهودية؟ أو بعبارة أخرى وجيزة: كيف يمكن للسياسة أن تصبح شريعة؟(26) لهذا نجده يشدد على واجب العلماء واجتهادهم في فهم هذه المسألة "وهو فرض كفاية راجع إلى اختيار أهل الحل والعقد من الأمة ودليل وجوب القانون (الملك) إجماع الصحابة"(27).
والإصلاح السياسي في مفهوم ابن أبي الضياف متصل أشدّ الاتصال بالظاهرة الاقتصادية أكثر مما هو عند الكواكبي، ولقد أخذت هذه الظاهرة معان محددة وواضحة أبرزها: المال، الثمن، الجباية، المصاريف والصناعة، والفلاحة، والحرف(28).
قبل أن نبحث المنظومة الإصلاحية عند الكواكبي في بُعدها السياسي، فإننا نجده ينزه الإسلام مما أُلصق به من تهمة الاستبداد ويستشهد بالقرآن على أن الإسلام لا مجال لرميه بالاستبداد. إلاّ أن الحكام هم الذين اتخذوا لأنفسهم صفة الاستبداد وتستروا بالدين "ذلك أن القرآن وضع أصول الحرية وأرسى قواعد الديمقراطية... تسربت إليه مع الزمن الشوائب فأصبح عرضة للتبديل"(29).
وهنا ثمة سؤال: ما الذي يدعو الكواكبي إلى مثل هذا التأكيد على عدم رمي الإسلام بالاستبداد كصفة ملازمة للحكم وليس للعقيدة والدين من أي حضارة، إلاّ إذا كان هناك فهم خاطئ لإشكالية الممارسة والمعايشة الدينية؟!. ومادام الكواكبي مهتماً بمسألة الحرية والديمقراطية (ضد الاستبداد) فهل أعطاها إطاراً فقهياً.؟ ومادامت النظرة الأساسية في هذا المجال هي دستور الأمة وتاريخها وسنة رسولها. على أساس اختيار الفرد وحريته وانفكاك عبوديته؟!.
ذلك لأن المهام الأساسية في هذا المجال عند ابن أبي الضياف أخذت إطارها الفقهي الإسلامي السياسي، من شورى وأهل حل وعقد، وإن كانت الشورى إذا ما ذكرت في العقد الأول من مقدمة الإتحاف قصد بها ما يدور في بلدان أوروبا.
وهو عندما يتحدث عن المجالس الشرعية، فالأمر متصل بالظاهرة الأوروبية، ومراقبة المجالس فيها لأسلوب الحكم، وهو ما يراه أحمد عبد السلام "المجالس التي يتعدى دورها الشورى إلى مراقبة الحكم والمشاركة في كليات السياسة"(30)، وما ينطبق على المجالس، ينطبق على أهل الحل والعقد كمصطلح له بعده الإسلامي، أراد أن يضعه في إطار التجربة الغربية، فما لهذا المصطلح من تعريف تقليدي فصّله وشرحه ابن أبي الضياف "أهل الحل والعقد من العلماء وأكابر الجند ووجوه الحضرة" لم يمنعه من أن يضيف له أعضاء المجالس المتعلقة بالملك(31).
وبذلك يقع التوفيق في مدلول العبارة وفهمها بين التقاليد والمعنى الجديد، الذي دافع عنه من قبل خير الدين التونسي على اعتبار أهل الحل والعقد يمثلون عند الأوروبيين أعضاء المجالس السياسية.
ونجد عند الكواكبي اهتماماً كبيراً بأمر الشورى، إلى حد أنه يجعلها أساساً من أسس الحكومة الإسلامية "وقد ظهرت الحكومة الإسلامية مؤسسة على أصول حكومة ديمقراطية وشعبية وشورى أرستقراطية، أي شورى أهل الحل والعقد في الأمة بعقولهم لا بسيوفهم"(32).
لقد أراد الكواكبي من خلال مؤسسة الشورى إرساء قواعد الحرية والعدالة والمساواة من أجل تقدم الإنسان لأنه رأى أن للحكومة العادلة آثاراً إيجابية في سيرة الحياة العامة(33).
والآن: هل امتلك كل من الرجلين تصوراً واضحاً لمفهوم الحكم؟! أو هل بسّطا لنا شكلا لمعالم نظام سياسي محدد؟!.
بسّط ابن أبي الضياف هذا الأمر في مُشكل الحكم وأنواعه. ووجد أن الحكم المطلق هو من أكثر أنواع الحكم سوءً. وقرر أن الإسلام منه براء "والحاصل أن هذا الصنف وهو الملك المطلق يعارض الشرع، لأنه تصرف في عباد الله وبلاده بالهوى"(34). كما أن العقل يعارضه لأنه تغلب وقهر(35).
وفي الملك الجمهوري رأى أنه لا يتماشى مع الشريعة الإسلامية، وقواعد الملة الإسلامية لا تتفق وهذا الصنف الجمهوري، لأن منصب الإمامة واجب على الأمة شرعاً وتنبني على وجوده أحكام الشريعة في العبادات أو غيرها معروفة في الكتب الدينية(36).
وأفضل أنواع الحكم عنده الملك المقيد بقانون "إذ هو بعد الخلافة، الملك الذي تحاط به العبادات ويماط به الفساد ويقاد به المرء، وصاحبه ظل الله في الأرض، لأنه أمر دائر بين العقل والشرع"(37).
أساس هذا النوع من الحكم، أنه يبنى على قانون. إذا خالفه الحاكم انجلت بيعته "وقد ظهر هذا النمط في بعض الملل المسيحية"(38). ويلاحظ ابن أبي الضياف أن القانون قد يكون هبة من الملك وقد يكون نوعاً من التقييد للسلطة، وهو بهذا يشير إلى أسباب عهد الأمان الذي حرره في سنة 1857م.(*)
وإذ يُقدّم عهد الأمان من جانب ابن أبي الضياف على أنه مطابق للشريعة إلى حدّ أنه يؤكد أن أحكامها جارية. فهو يؤكد أيضاً على الالتزام به وعلى "أن ذلك من الأصول الجارية في الدولة العليّة"(39). وكل من يصدر "منه ما يخالف هذه القوانين الموضوعة على أساس متين، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ولا نال فلاحاً إلى يوم الدين"(40).
وعنوان كتاب الكواكبي دالّ على أنه أراد أن يعالج به واقعاً سياسياً خاصاً. وهو الحكم المطلق "فالاستبداد في اصطلاح السياسيين هو تصرف فرد أو جمع في حقوق قوم بلا خوف الأحق بالوجود، والأقرب إلى تحقيق السعادة "نعم وجد للترقي القريب من الكمال أمثال قليلة في القرون الغابرة كالجمهورية الثانية وكعهد الخلفاء وكبعض الجمهوريات الصغيرة والممالك الموفقة لأحكام التقيد الموجودة في هذا الزمان(41). وقد بلغ الترقي في الاستقلال الشخصي في ظلال الحكومات العادلة لأن يعيش الإنسان الحقيقة التي تشبه في بعض الاوجه ما وعدت به الأديان أهل السعادة في الجنان"(42).
والحكومة المستبدة عند الكواكبي، تكون مستبدة في كل فروعها "من المستبد الأعظم إلى الشرطي الفراش إلى كنّاس الشوارع"(43).
لكن هل قصد الكواكبي أن يوجه نقده هذا إلى حكومة الدولة العليّة آنذاك؟!.
لقد شرح الكواكبي الاستبداد، ومعنى وجود حاكم مستبد، يبدو ذلك من خلال الحكومات القديمة في التاريخ; قاصداً به أن يتوارى عن المواجهة مع السلطة العثمانية، ولكن كيف يكون ذلك ما دمنا لا نجد أي ذكر للسلطة القائمة في عصره في كتابه؟!.
يرى Elizer Tauber "إن الكواكبي كان ثورياً بطبيعته وقد سمع مرة وهو يقول: لو كان معي أو تحت إمرتي جيش لأسقطت حكومة عبد الحميد خلال أربع وعشرين ساعة. ولكن ذلك لم يكن، ومع ذلك فكتابه طبائع الاستبداد لا يمكن أن يكون موجهاً مباشرة إلى الحكم العثماني" (44).
وأياً كان ذلك القول الذي نقله Tauber وأورده محمد عمارة من قبل(45)، فإن الكواكبي أدرك معنى المُشكل الذي مازال يواجه المثقف في علاقاته مع السلطة حتى اليوم. وكما هو الحال مع ابن أبي الضياف فإن اطلاع الكواكبي على أنظمة الحكم الغربية وطرقها جعله يفضل الحكم المقيد بجملة من القوانين ويخضع لمراقبة المؤسسات الديمقراطية وهو الشيء الذي أشاد به عند النظم الأوروبية(46).
هكذا اتفق الكواكبي وابن أبي الضياف على رفض الحكم المستبد والمطلق القائم على الهوى الفردي، وبيّنا محاسن الحكم المقيد بقانون والمبني أساساً على الشورى "ولا تتعين المصلحة الكاملة إلا بالمشورة"(47). قال تعالى لرسوله المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى (لو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك)(48). ثم نجده يستشهد بما أورده الحسن البصري: كان صلى الله عليه وسلم مستعيناً على مشورتهم ولكنه أراد أن تصير سنة الحكام (49).
وفي أوروبا يجد ابن أبي الضياف أن الحكومات أحدثت مجالس شورى اتخذت صيغة قانونية "ومن فروع القانون عند أهله بأوروبا" مجلس شورى "من أعيان المملكة وعقلائها، ينتخبه الأهلون ويختلف حال تركيبه وكيفية انتخابه وشروط المنتخب وعدد رجاله باختلاف حالات البلدان وعاداتها"(50) وهذا المجلس هو الوكيل عن العامة، ولذلك يكون بانتخابهم ليحمي حقوقهم الإنسانية ويدافع عنها بغير خروج عن الطاعة(51).
وفي هذا الخط يتجه الكواكبي، ويدعو إلى سن القوانين، ومراقبة الحكومات، مبيناً أن دعوة الإسلام "من أي نوع كانت لا تخرج عن وصف الاستبداد ما لم تكن تحت المراقبة الشديدة والحساب الذي لا تسامح فيه، كما جرى في صدر الإسلام... وكما جرى في هذه الجمهورية الحاضرة في فرنسا"(52) وهو بذلك يطالب بالفصل بين السلطات السياسية والدينية. تعبيراً عن واقع الحكومات الغربية "التي أنشأت المجالس للسيطرة على الإدارة العمومية والسياسية"(53).
فالمطلب الأول من أجل الإصلاح، هو: تحديد سلطة الحكام تحديداً قانونياً يخدم مصالح الأمة وهي مصالح متنوعة ولا يكون هذا التحديد دون استحداث مؤسسات الدولة الرقابية والتي على رأسها مجالس الحكم المنتخبة.
تاريخياً يمكن القبول بما قصده الكواكبي وابن أبي الضياف، ويمكن أن يبرر ذلك بالطابع الذي مرت به الحركة الإصلاحية في عموم البلاد العربية في تلك الفترة. ولكن هل استطاع مصلحانا أن يضعا رؤيتهم الإصلاحية ضمن إطار فلسفي خاص؟! وهل حاولا الانتقال من حيز المطالبة إلى حيز حكم الضرورة في التنفيذ، وبالتالي تأكيد السلطة الثقافية الإسلامية على السلطان السياسي، على أساس الرقابة التي ادّعاها فقهاء السنّة على السلطان؟! وهل إن اطلاعهم على الفكر الليبرالي الغربي وما وصل إليه من نتائج، ساعدهم في حصر الإشكالية الإصلاحية، في مجالها الاجتماعي والسياسي العربي الإسلامي؟!.
3 ـ البحث عن مضامين:
لقد شاع إطلاق لفظ الإصلاح على اتجاهات وحركات إصلاحية واجتماعية ظهرت في العالم الإسلامي خلال القرن التاسع عشر فيما عدا الحركة الوهابية التي بدأت قبل هذا التأريخ. وامتدت هذه الاتجاهات حتى النصف الأول من القرن العشرين ولقد اختلفت هذه الدعوات باختلاف دوافعها وحجم التأثيرات التي أحدثتها(54).
فكيف لنا أن نصل إلى مضمون محدد المعالم للإصلاح السياسي عند ابن أبي الضياف والكواكبي؟! وإلى أي حد يمكن لنا القول إن الأول كان في اتصال مع حركة المجتمع وتغيراته وبنفس الوقت هو على علاقة مباشرة بالسلطة القائمة في تونس؟!.
يرى أحمد جدي أن شخصية ابن أبي الضياف جديرة بالفهم والتعمق، فهي متصلة بعمق في تكوين المجتمع التونسي قبيل الاستعمار، ويعتبر عمله وفكره أحد أهم الطرق التي يمكن من خلالها فهم الحركة العامة للفكر العربي الإسلامي الحديث والمعاصر(55).
ووصف ز.ي. ليفيين، الكواكبي "بأنه مفكر سياسي، مُفعم بكراهية الاستبداد"(56)، ولكن حكم ما تركه من إشكاليات مازالت واقعة الى الآن لحد كبير جداً، ليصل الأمر أن هناك من يرى "أن ما تبقى لنا من الكواكبي لكي ندرسه شيء كبير، يساوي بقدره حجم الإشكالية المحورية التي تواجه حركة التحرر الوطني العربي"(57).
فالظروف التي عاشها ابن أبي الضياف، والكواكبي وكذلك التجربة التي مارسها كل منهما في مجال الإدارة، جعلت منهما أداة نقد مبررة سواء كان ذلك بقبول السلطة القائمة أو رفضها أو ضيقها بهذا النقد.
يقول عبد العزيز الدوري: يذهب الكواكبي إلى نقد الإدارة العثمانية ويبين أسباب الخلل بغض النظر عن العاصمة، وجهل المسؤولين الإداريين بأحوالها. وتبرير الموضوع بسوء توحيد قوانين الإدارة... ولهذا نراه يتجه بدعوته للنهضة للغرب ويحدد وجهة نظر غريبة واضحة(58). في حين أن ابن أبي الضياف لم يكن يخفي رأيه في مسألة الإصلاح العثماني أو ما يسمى بالتنظيمات الخيرية التي وضعها السلطان عبد الحميد في السادس والعشرين من شعبان 1255هـ، الثالث من نوفمبر سنة 1839م. إذ عبر عن عدم سلامة هذه القوانين، وإمكانية إجراءها في بلاد العرب، وذلك في اجتماعه مع شيخ الإسلام أحمد عارف خلال زيارته للأستانة سنة 1842م "فقلت له إن التنظيمات الخيرية يتعسّر إجراؤها في بوادي المغرب"(59) وإذا قبل ابن أبي الضياف بهذه التنظيمات فإنه أقرها بعد إلحاح(60)، "ولقد ألحّ شيخ الإسلام باستنابول على وجوب تلك التنظيمات".
والسؤال الآن: ما هو مضمون الإصلاح السياسي في فكرههما؟ وهل يمكن القول أنهما تقدما إلى الإصلاح على قاعدة أن التنظيمات هي أساس العمران القائم على العدل والشريعة الإسلامية؟!.
وأياً كانت المضامين والأفكار، فإن محاكاة النموذج الأوروبي كانت ماثلة في طرحهما للإصلاح السياسي، لكن يبدو أنه لم يكن هناك استيعاب لمسار التجربة الليبرالية في إطارها التاريخي، وأنهم لم يفرقوا بين الجذور الثابتة والأصول المقررة، وبين الصورة الظرفية التي تلبست الفكر الإصلاحي العربي في القرن التاسع عشر. وهو ما يراه عبد الله العروي(61).
هذا الأمر يكاد يكون أكثر وضوحاً عند ابن أبي الضياف، وخاصة في حديثه عن مسألة العمران، فرغم استلهامه للتجربة الخلدونية واستشهاده بها "الظلم مؤذن لخراب العمران"(62). ومع تأكيده على أن تجربة التنظيمات العثمانية ناجحة في سياقها العمراني "وهذه الأصول الجارية الآن في الدولة العثمانية بالتنظيمات أدت إلى ازدهارها في العمران"(63)، فإنه يحاكي النموذج الأوروبي "وانظر حال الإفرنج الذين بلغ العمران في بلدانهم إلى غاية يكاد السامع لا يصدق بها إلا بعد المشاهدة"(64).
وإذا كان العدل أساس العمران عنده، فإنه عند الكواكبي متمثل بالعلم "وترقي العلم والعمران هو من سنة الكون التي أرادها الله تعالى لهذه الأرض، ومع ذلك فالعلم والاستبداد ضدان متغالبان فكل إرادة مستبدة تسعى جهدها في إطفاء نور العلم"(65).
ولما كان الكواكبي ناقداً للاستبداد بكل صوره، وأنه لا يأتي إلاّ بمزيد من الانحطاط والتردي "لأن ظهوره على صاحبه مجلبة لأنواع البلاء"(66) فإنه يرى بالحكم التركي آنذاك حكماً استبدادياً، فعمل على تصوير أمم الغرب التي تعيش في ظل حكومات عادلة "فقد بلغت أعلى المراتب وإن الأمم التي أسعفها حظها لتبديد الاستبداد نالت من الشرف المعنوي ما لم يخطر على فكر"(67).
وأول ما يجني الناس من الإصلاح السياسي والتغير، عند صاحب الإتحاف والطبائع "الأمن على النفس والمال والعرض وحتى لا تكون النفوس الإنسانية والأجساد المكرمة فريسة"(68) "واستتباب الأمن وتوفيره ضروري للعيش والكماليات تولد حب الوطن"(69).
حاول ابن أبي الضياف بصورة تكاد تكون أكثر منها عند الكواكبي، وهي وضع مسألة الإصلاح السياسي في مضمونها العثماني الإسلامي ولهذا نجده حاول الكشف عن فلسفة الإسلام في شأن السياسة. في حين أن الكواكبي ركز على مصطلح "السياسة الاستبدادية" ويسعى كثيراً لتلخيص موقف الأفراد من السلطة كما يجب أن يكون، وشدد على ضرورة وجود ضمانات لحماية المجتمع من الحكم المستبد، وأكد على وجود "شروط للمراقبة الشديدة والمحاسبة التي لا تسامح فيها"(70).
أكد الكواكبي على ضرورة أن لا يشعر المستبد باستبداده، لأن عواقب ذلك تكون وخيمة، ولهذا طالب بأخذ الحيطة والحذر من ذلك "والحذر كل الحذر أن يشعر المستبد بالخطر فيأخذ بالحذر الشديد والتنكيل بالمجاهدين"(71)، ولكن ما مدى مسؤولية الدين عن الاستبداد السياسي وهل يمكن تطويع الدين وتسويقه كأداة ضد الاستبداد؟ نقرأ عند الكواكبي "إن مصدر الاستبداد السياسي الاستبداد الديني"(72)، ولهذا نجده يبين أحكام الدولة العادلة بغض النظر عن الدين(73).
أما ابن أبي الضياف فينكر وجود الاستبداد ويرى أن الملك الجمهوري والمطلق لا يصلحان، ويضع حلاً لذلك، وهو الملك المقيد بقانون، ويهتم بالقوانين التي هي بتعبير العصر "الدستور" ذلك أن مثل هذه القوانين كشفت عن ضعف الدولة الإسلامية آنذاك وهذا راجع إلى عدم الانقياد إلى صورة الشريعة(74).
المضمون الأساسي الذي ركزا عليه: رفض الاستبداد بشتى أنواعه، والتأكيد على وجود القانون، أياً كانت صوره، سواء بصيغة دستور أو هيئة عليا تضم أعيان الأمة أو بشكل مجالس انتخابية، أو بصورة مؤسسات ديمقراطية بمختلف أنواعها. وفي جميع الصور والمجالات هذه إذكاء لمعنى الشورى في الإسلام وتأكيد على سلامتها في توجيه الحكومات والقيادات.
إلاّ أنّ هذا لم يأت من خلال التجربة الإسلامية فحسب، فالمنظومة الفكرية عندهما متأثرة بشكل كبير بالمراحل الأخيرة التي بلغتها الدول الأوروبية، وخاصة فرنسا. وهو ما لم يستطع ابن أبي الضياف ـ الذي زار باريس ودخل مكتبتها واطلع عليها ـ إخفائه. ولكن من المفيد أن نتذكر أن نتاج الثقافة الأوروبية في ذلك العصر كان نتيجة لمرحلة طويلة من التكوين والاكتمال والاستقلال، وهو خلاف ما كان رجالات الإصلاح يعيشونه داخل نظامهم الثقافي العربي الإسلامي في تلك المرحلة. ومع ذلك، كما يرى فهمي جدعان فإنهم شاركوا الأوروبيين أفكارهم وأحكامهم بل أنهم تجاوزوا الأمر عندما كانوا أكثر عنفاً في النقد والمطالبة في الإصلاح(75).
فهل كان ابن أبي الضياف والكواكبي يحاكون التقنيات الأوروبية عصرئذ، وبالتالي عدم إحراز أي تقدم بأي مظهر من مظاهر الإصلاح؟ وهل استطاعا فهم الإصلاح بأبعاده العميقة في الحضارة العربية الإسلامية؟.
يبدو أن هذين المستويين كانا متداخلين في تفكيرهما الذي جاء اتباعياً وإلحاقياً، اتباعياً بالنسبة للنموذج الإسلامي وإلحاقياً بالنسبة للنموذج الغربي، نقد ابن أبي الضياف السلطة إلاّ أنه قدم إصلاحاته في سياق الدور الذي مارسه من قبل ولزمن بعيد الماوردي في أحكامه السلطانية، والغزالي، وابن طباطبا في الفخري، والمراوي في آداب الإمارة، والطرطوشي، وغيرهم. في حين أن الكواكبي كان الأقرب إلى صورة المثقف المنتفض الذي وجد نفسه في القرن التاسع عشر أمام مطالبات متعددة ومختلفة متعلقة بمسألة الهوية والوعي.
في ظل هذا المُشكل الإصلاحي هل من الممكن القول: إن أفكار إبن أبي الضياف الإصلاحية جاءت في سياق تفكير إصلاحي خاص في المغرب العربي، وهو الإصلاح الذي كان دائماً مرتبطاً بدولة المخزن ثم ما لبث أن اختلف الأمر في العصر الاستعماري فأصبح في إطاره القُطري الخاص بالدولة القائمة آنذاك.؟ وهل إن ما قدّمه من آراء وأفكار هي استمرارية لتقليد أقره كتاب مرايا السلاطين والأمراء في مجال تاريخانيّة العلاقة بين المثقف والسلطة.؟
أخيراً لم يكن ما تم تناوله، إلاّ محاولة للكشف عن ماهية وطبيعة المصادر الفكرية في آراء ابن أبي الضياف وعبد الرحمن الكواكبي، ثم ما هي إلا محاولة للوصول إلى مفهوم ومضمون التجربة الإصلاحية عندهما في مجالها السياسي. ويبقى الكواكبي أحد أهم أعلام الفكر العقائدي والقومي والسياسي الدستوري في القرن التاسع عشر. ويظلّ ابن أبي الضياف في حيزه الإصلاحي العربي الإسلامي المستنير. وقد ساهم كل منهما في بلورة الأفكار الإصلاحية التي ما تزال إلى يومنا هذا تحتاج في أسئلتها إلى البحث عن إجابة وتجديد للطاقات.
ثانياً: الدولة القاجارية والإصلاح الدستوري (مثال حسين نائيني)
منذ منتصف القرن التاسع عشر، كان الوضع الداخلي في إيران، يسير متسارعاً نحو الانهيار، فسياسة السيطرة والتزاحم الأجنبيين، وعجز وفساد الإدارة الحاكمة، وطغيان الأسرة القاجارية، والارتهان السياسي والاقتصادي للسياسات الأوروبية، شكلت جميعها عوامل هذا الانهيار المتسارع.
وبالمقابل، أدت الأزمة السياسية والاقتصادية الناتجة عن جملة هذه العوامل، إلى حركة واسعة من الاحتجاج والرفض. كانت مقدماتها قد بدأت مع مظاهرات الاحتجاج على امتياز التنباك في العام 1891، ثم تلتها عملية اغتيال الشاه في العام 1896...
وقد حاولت قوى اجتماعية عديدة أن تقود هذا التحرك الشعبي: فهناك النخب المثقفة ذات المنزع الديمقراطي والليبرالي، والتي كانت مشبعة بثقافة غربية، وتطمح إلى أن تبني لإيران مؤسسات دولة حديثة تقوم على مبادىء الحرية والقانون وسيادة الشعب، والتقدم الاقتصادي والاجتماعي. وهناك قوة تجار البازار الذين شكلوا قوة سياسية أساسية بفضل موقعهم الحاسم في شبكة التوزيع وحركة التجارة في البلاد. فضلاً عن وسائلهم المالية المتاحة في دعم الحركات المطلبية الشعبية. وكان هؤلاء على صلة وثيقة بالعلماء. غير أن هاتين القوتين (النخب المثقفة وتجار البازار) لا تستطيعان التحرك دون القوة الأساسية الفاعلة في التأثير على الشعب، وهي قوة مراجع الدين التي يرتبط بها الناس على مستوى علاقة عامة "المقلدين" بمجتهدي التقليد. فماذا كان موقف هؤلاء؟.
إن فئة من صغار علماء الدين نشطت بصورة مبكرة في التهيئة للثورة الدستورية، فقد جمعت هذه الفئة بين الثقافة الدينية وبعض من الثقافة الحديثة، وأسست منذ عام 1902 "مجلساً للثورة". وبرز من هذه الفئة الميرزا نصر الله المعروف بـ"ملك المتكلمين" (خطيب الثورة)، والسيد جمال الدين الواعظ. وكان هؤلاء، وإن عملوا خارج إطار الحوزات الدينية، على علاقة بكبار العلماء فيها، للاستفادة من نفوذهم الشعبي(76).
وأما بالنسبة لكبار العلماء، فإنه ينبغي التمييز بين علماء المؤسسة الدينية "الرسمية" المعينين من قبل الشاه، وبين علماء الحوزات العلمية في قم والنجف وغيرهما. فالمؤسسة التي ضمت شيوخ الإسلام وأئمة الجمعة وقفت ضد الحركة الدستورية وأيدت الشاه في كل شيء، حتى أن بعضهم أصدر "أحكام التكفير والتفسيق" ضد المطالبين بالدستور(77). أما في الحوزات المستقلة فقد انقسم المراجع بين مؤيد للحركة الدستورية وبين مؤيد للشاه. ومن النجف، جاء الدعم الأساسي للثورة والدفاع "الشرعي" عن المطالبة الدستورية عبر مراجع التقليد، أبرزهم الملا كاظم الخراساني، والشيخ عبد الله المازندراني، وعبر مجموعة من العلماء في مقدمتهم حسين نائيني. ذلك أن محمد علي شاه الذي ارتد على الدستور الذي فرضته الحركة الشعبية على والده مظفر الدين، لجأ إلى تقديم صيغة دستورية مشوهة وإلى تعطيل المجلس التشريعي المنتخب، فكانت فتوى المرجع كاظم الخراساني التي تقول: "إن الإقدام على مقاومة المجلس التشريعي، يكون بمثابة الإقدام على مقاومة أحكام الدين الحنيف. فواجب المسلمين أن يقفوا حائلاً دون أية حركة ضد المجلس"(78).
وفي خضم هذه المعركة التي انتظم فيها المراجع والعلماء وانقسمت فيها الحوزات والمؤسسات الدينية الشيعية، بين مؤيد للشاه، أي للحكم السلطاني، وبين مؤيد لـ"المشروطة" أي للحكم الدستوري، ظهرت أدبيات فقهية تعكس من جانب الفقهاء الدستوريين غنى فكرياً تجديدياً في الفقه. ويقدم كتاب حسين نائيني تنبيه الأمة وتنزيه الملة(79) مساهمة أساسية في السجال الذي دار بين الفريقين.
يقدم النائيني (توفي1335هـ/1936م) دفاعاً عن مبدأ الممارسة السياسية الدستورية، من وجهة نظر إسلامية، فيرى أن الممارسة الدستورية هي مشاركة أفراد الأمة في القرار والولاية "ومساواتهم ـ على حد قوله ـ مع شخص السلطان في جميع نوعيات المملكة من المالية وغير المالية"، كما أنها حق للأمة في المحاسبة والمراقبة وتحديد مسؤولية الموظفين"(80).
ويستشهد النائيني بموقف الأمة حيال الخليفة عمر بن الخطاب، عندما رقى هذا الأخير المنبر يستنفر الناس للجهاد، فأجابوه "لا سمعاً ولا طاعة" لأنه كان عليه ثوب يمان يستر جميع بدنه، مع أن حصة كل واحد من المسلمين من تلك البرود اليمانية لم تكن كافية لستر جميع بدنه.. وما استطاع عمر أن يدفع اعتراضهم إلا بعد أن أثبت لهم أن عبد الله (ابنه) هو الذي وهبه حصته من تلك البرود. كما يستشهد النائيني بموقف الأمة في "جواب الكلمة الامتحانية الصادرة عنه: لنقومنك بالسيف"، وهو الجواب الذي أفرح الخليفة عمر "لرؤيته هذه الدرجة من استقامة الأمة"(81).
أما اعتياد الأمة على الاستبداد والخضوع، فقد جاء في رأيه "بعد استيلاء معاوية وبني العاص وتبدل هاتيك الأصول والفروع المذكورة بأضدادها، وانقلاب السلطنة الإسلامية في مدة ابتلاء سائر الملل الأجنبية بمثل المأسورية والمقهورية المبتلين نحن بها الآن"(82).
ويرى النائيني في تحرر الملل الأجنبية من الملكية المطلقة "اتباعاً للمبادئ الطبيعية وإحاطة بالقوانين الإسلامية" في حين أن "سير طواغيت الأمة المسلمة القهقرى أدى إلى الحالة الراهنة"(83).
ويبحث عن أصل الحرية المناقضة للعبودية والجور والتحكم في النص القرآني والسنة النبوية، والتنبيهات الصادرة عن الأئمة المعصومين(84). ويرى أن الاستبداد يقوم على شعبتين من العبودية: "معبودية السلطان التي هي عبارة عن انقياد الأمة لإرادته التحكمية في باب السياسة والملكية. كذلك يكون الانقياد والخضوع لرؤساء المذاهب والملل بعنوان أنه من الديانة معبودية محضة..." ويرى أن "الاستعباد في القسم الأول مستند إلى القهر والغلبة. وفي القسم الثاني مبني على الخدعة والتدليس(85). ويخلص إلى الاستنتاج أن تحالفاً وتكاملاً قائماً بين الاستبداد السياسي والاستبداد الديني. يقول: "لولا ما نراه من ائتلاف هاتين الشعبتين الاستبداديتين السياسية والدينية واتفاقهما وقيام إحداهما بالأخرى، لما أصبح استعبادنا نحن الإيرانيين اليوم واضحاً مشهوداً"(86).
والنائيني يشدد في تحليله للحلف القائم بين الشعبتين الاستبداديتين على مسؤولية العلماء، حيث تحول قسم منهم إلى "علماء سوء" و"أميين لا يعلمون". وهو يشبه موقف المقلدين العوام لهؤلاء، بموقف اليهود من أحبارهم(87).
ثم يعود النائيني إلى شرح حقل مساواة الأمة مع شخص الوالي أو السلطان فيرى أنها: مساواة في الحقوق، ومساواة في الأحكام، ومساواة في التقاص والمجازاة(88) ولما كانت هذه المطالب التي رفعتها الحركة الدستورية، تحرر الأمة من الجائرين من خلال مساواتهم بالحكام، وهم سلاطين وفقهاء، "رأت الشعبة الدينية الاستبدادية ـ كما يقول ـ أن من الواجب بمقتضى وظيفتها المقامية المتكفلة بالاحتفاظ على شجرة الاستبداد الخبيثة ـ باسم حفظ الدين قديماً وحديثاً ـ عدم الإصغاء للخطاب الشريف، وأخذت تقاوم بكل ما في وسعها هذين الأصلين اللذين هما منبع السعادة ورأس مال الأمة والمرتب عليها حفظ ـ حقوق الشعب ومسؤولية الولاة". وما اكتفت أن تطلق عليهما "التحريم" بل "اجتهدت في أن تبرزهما بأشنع الصور وأقبحها لتنفر منهما العامة وتصرف أنظار سواد الشعب عن تتبع هذه الطرق الصالحة"(89).
وبعد أن يشدد على ضرورة تحديد السلطات والصلاحيات في نظام الاستيلاء والسلطنة في جميع الشرائع والأديان، ينتقل النائيني، إلى التبرير الفقهي للنظام السياسي الدستوري من خلال صيغة الشورى التي طبقت في عهد الرسول والخلفاء الراشدين. ويرى هنا إمكانية كبرى لاتفاق سني ـ شيعي حول هذه الصيغة. فتطلب عصمة الوالي السياسي في طائفة الإمامية يوجب في زمن الغيبة تحديد السلطنة لترك التحكمات والاستشارات. إذ يقول: "وعلى هذا فتحديد السلطنة الإسلامية بالدرجة الأولى التي هي عبارة عن ترك التحكمات والاستشارات ـ مع الإغماض عن أهلية المتصدي والسكوت عن لوازم مقامه من العصمة خصوصاً على مذهبنا، هو القدر المتفق عليه بين الفريقين... وهو من الضروريات الإسلامية أيضاً...."(90).
واضح كيف أن هذا التوجه، يحركه هم حاضر وهدف مستقبلي. فهو لا ينطلق من أوجه الاختلاف والخلاف حول تاريخية الإمامة وأحقيتها، بل من واقع المسلمين الذي يفترض حلاً لمشكلة الاستبداد في السلطنة، وهي المشكلة التي رافقت معظم عهود التاريخ الإسلامي حتى أمست "شجرة خبيثة" لدى "السلطنات السنية" ولدى "السلطنات الشيعية" على حد سواء. "وعلى هذا تكون حقيقة تبديل السلطنة الجائرة وتحويلها ـ كما يقول ـ عبارة عن قصر استيلاء الجوري وتحديده والردع عن ذينك الظلم والغصب الزائدين، وليس هو كما يتوهم عبارة عن رفع فرد من الظلم وجعل فرد آخر أخف وأقل منه مكانة"(91).
وصيغة الشورى، كما يفهمها النائيني، لا تتناقض مع دور الفقيه في مذهب الإمامية. فهذا الدور الذي تفترضه "نيابة الإمام" والذي يتمثل بالقيام بـ"الوظائف الحسبية" مع عدم ثبوت النيابة العامة في جميع الوظائف(92) يندرج في نظام شورى، بل مع عموم الأمة(93) ويستشهد بتفسير الآية الكريمة فيقول: ".... ودلالة الآية المباركة (وشاورهم في الأمر) المخاطب بها نفس العصمة وعقل الكل، وقد كلف بالمشورة مع عقلاء الأمة على هذا المطلب في كمال البداهة والظهور، حيث يعلم بالضرورة أن مرجع ضمير الجمع هو عموم الأمة، وقاطبة المهاجرين والأنصار لا أشخاص خاصة"(94).
وهذا الاجتهاد يوصل النائيني إلى اعتبار الهيئة الدستورية المتمثلة بالجمعيات الوطنية أو البرلمانات أو المجالس التمثيلية الصيغة الراهنة التي توصل إليها تطور الحضارة الإنسانية وفقاً "للمبادئ الطبيعية" و"القوانين الإسلامية" اللتين لا تناقص بينهما، بل إن النظام الديمقراطي الغربي أصله في الإسلام النظام الشوروي. والنائيني يشدد على المقولة التي رددها العديد من المصلحين والدستوريين الإسلاميين آنذاك: "هذه بضاعتنا ردّت إلينا"(95).
إن وجود مثل هذه الهيئة في السلطنة ضروري كي لا يتحول الاستيلاء إلى جور. إنها نوع من قوة ضابطة ورادعة ومسددة كما يقول النائيني. وهذه الهيئة تتوافق مع وجهة النظر السنية القائلة بشروط علمية الخليفة وعدالته. ومع وجهة نظر الإمامية القائلة بعصمة الإمام. إنها الإمكان الضروري في هذا الزمان. يقول: "في هذا الزمان وقد أصبحنا قاصرين ليس من وجهة عدم إمكاننا أن نتمسك بالعصمة العاصمة فقط، بل حتى من جهة اتصاف المتصدين للأمور بملكة التقوى والعدالة والعلم الحقيقي، وبالعكس مبتلين بالضد المقابل لها. فكما أن الضرورة قائمة على أن حفظ تلك الدرجة المسلمة من تحديد السلطة الإسلامية التي عرفت أنها من الأمور التي اتفقت عليها الأمة، وأنها من ضروريات الدين الإسلامي، والتحفظ على أساس الشوروية الثابت بنص الكتاب والسنة النبوية والسيرة المقدسة، لا يتصور ولا يتحقق وجودهما (السلطة والشورى) إلا إذا استندنا إلى قوة خارجية رادعة ومسددة تقوم بدور القوة البشرية مقام القوة العاصمة الإلهية، ولا أقل من أن تحل محل القوة العلمية وملكة العدالة"(96).
الهيئة التمثيلية إذن هي "قدر مقدور من القوة العاصمة الإلهية بناء على أصول مذهبنا في طائفة الإمامية ـ كما يقول النائيني ـ وبناء على مذهب أهل السنة هي في مقام القوة العلمية وملكة التقوى والعدالة"(97).
وهذا الحل الدستوري الديمقراطي الذي يدافع عنه النائيني في معركة تخوضها القوى المطالبة بالدستور في كل من إيران والدولة العثمانية آنذاك، ضد الاستبداد الفردي السلطاني، وضد تيار واسع من الفقهاء الذين يمثلون على حد قوله "شعبة الاستبداد الديني" هو حل إسلامي، ليس فقط للمسألة الداخلية التي كانت تعانيها من جراء القمع والجور والاستبداد، وإنما أيضاً لمسألة درء الخطر الأجنبي الذي يتهددها بالتقسيم. فمشاركة الأمة في السياسة تستنفر قواها للجهاد ضد الاعتداءات التي تتربص بها آنذاك من طرف روسيا وبريطانيا. ولذا، فإنه يرى "أن تحويل السلطنة الغاصبة من نحوها الظالم الأول إلى نحوها العادل الثاني، علاوة على سائر المذكورات، موجب لحفظ بيضة الإسلام وصيانة حوزة المسلمين من استيلاء الكفرة الجائرين"(98).
وأخيرا، ما لبثت هذه المعركة الفكرية ـ الفقهية التي تزامنت مع معركة الدستور العثماني، أن خفت صوتها مع وفاة المرجع الكبير الذي احتضنها وهو الشيخ كاظم الخراساني في العام 1911. وجاءت ظروف الحرب العالمية الأولى لتعطل الجهود الدستورية ولتقحم البلاد في مشاريع الاقتسام والتقسيم وسياسة مناطق النفوذ، ولتدخلها في احتمال الحل العسكري الدكتاتوري. وبعدها تتقلص المشاركة الفقهية في العمل السياسي، ويعتزل الفقيه في حوزته لفترة طويلة، قاصراً عمله على العبادات والمعاملات والنصح أحيانا ومن جانب الشاه البهلوي الذي أنهى بانقلابه العسكري في العام 1923 سلطنة الأسرة القاجارية اقتصرت العلاقة مع العلماء على الحرص على بعض البروتوكولات والزيارات الشكلية والودية، مع التركيز على تحجيم دور الفقهاء من خلال سلسلة من التدابير والقوانين العلمانية، ومن خلال إعفاء طلاب العلوم الدينية من الخدمة العسكرية. ويستمر هذا الوضع حتى انقلاب مصدق في العام 1953، حيث سيستعيد بعض الفقهاء دورهم في العمل السياسي الوطني، وحيث ستستعاد من جديد أطروحات فقهاء المرحلة الدستورية، وفي مقدمتهم: حسين نائيني وكتابه تنبيه الأمة وتنزيه الملة(*).
_____________
1 ـ محمد القاضي، الفكر الإصلاحي في عصر النهضة، دار الجنوب، تونس، 1992،ص68.
2 ـ أحمد الباهي. لعله أحمد أبي القاسم، انظر عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني، فهرس الفهارس والإثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات، تحقيق إحسان عباس، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط2، 1982، ج2، ص1002.
3 ـ محسن بن أبي الضياف، من هو إبن أبي الضياف، ملتقى ابن أبي الضياف للفكر السياسي والاجتماعي الحديث، منشورات مجلة الإتحاف، (3)، تونس، 1989، ص8. وحول ترجمة ابن الضياف، انظر: إسماعيل البغدادي، إيضاح المكنون، دار أحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، ج3، ص16; حسن حسني عبد الوهاب، خلاصة تاريخ تونس، تونس، 1953، ص17; الزركلي الاعلام، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة5، ج1، ص138; الصادق الزّمرلي، أعلام تونسيون، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط.1، 11986.
4 ـ إبراهيم الرياحي: هو إبراهيم بن عبد القادر بن أحمد، الطرابلسي، الرياض، المالكي (أبو اسحاق) له حاشية على شرح الفاكهي لقطر الندى في النحو، ورد على الوهابية، انظر معجم المؤلفين، ج1، ص49.
5 ـ القاضي، المصدر السابق، ص68.
6 ـ محمد البشير بن الخوجة، مقدمة كتاب إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد الامان، الدار التونسية، تونس، ط80، 1976،XII.
7 ـ المصدر نفسه، والصفحة ذاتها.
8 ـ محسن بن أبي الضياف، المصدر السابق، ص10; احمد عبد السلام، مادة (أحمد بن أبي الضياف)، موسوعة الحضارة الإسلامية (مواد موسوعية من حرف الإلف) فصيلة تجريبية، المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية، مؤسسة آل البيت، عمّان، ص. 122ـ123.
9 ـ أحمد الجباعي، الكواكبي، هم التأخر وهاجس النهضة، مجلة الوحدة، السنة7، العدد 81 حزيران، يونيو، 1991، ص87.
10 ـ محمد عمارة، عبد الرحمن الكواكبي، شهيد الحرية ومجدد الإسلام، دار الوحدة، بيروت، 1984، ص37، 41.
11 ـ أحمد بن أبي الضياف، إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد الأمان، الدار التونسية، تونس، ط2، 1976، ج، ص51.
12ـ الإتحاف: ج1 ص 12، 14، 13، 15، 16، 22، 21، 23، 27، 29، 32، 47، 51، 56، 61، 65.
13 ـ عبد الرحمن الكواكبي، طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد، تحقيق أحمد جمال الطحان، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، سلسلة الأعمال الكاملة، ط10، 1995، ص 442 ـ 447، 448، 450 - 457، 457 ـ 463، 463، 479، 523، 529، 518.
14 ـ عبد الحميد التركي، السياسة الشرعية في إتحاف أهل الزمان لابن أبي الضياف جوانب من الإصلاح في تونس في منتصف القرن التاسع عشر، ندوة الإصلاح والمجتمع المغربي في القرن التاسع عشر، جامعة محمد الخامس، الرباط، 1983، ص156.
15 ـ الكواكبي، المصدر السابق، ص 340.
16 ـ المصدر نفسه، ص444.
17 ـ الإتحاف، ج1، ص34.
18 ـ الإتحاف، ج1، ص45; الحبيب الجنحاحي، مصادر الحركة الإصلاحية في تونس دراسات في الفكر العربي الحديث، دار الغرب الإسلامي، بيروت ط1، 1991، ص367. وحول واقع الإيالة التونسية ومفهوم الإصلاح في القرن التاسع عشر انظر، إبراهيم بوطالب، استخلاصات عامة عن مفهوم الإصلاح في القرن التاسع عشر، الإصلاح والمجتمع المغربي، (مصدر سابق)، ص416.
19 ـ الكواكبي، المصدر السابق، ص431.
20 ـ أحمد الطويل، دراسات ووثائق عن الحركة الإصلاحية بتونس، تونس، سوسة، 1992، ص44.
21 ـ بوطالب، المصدر السابق، ص418.
22 ـ الإتحاف، ج1، ص32.
23 ـ أحمد جدي، الإشكالية الاقتصادية في الفكر العربي الحديث، منال أحمد بن أبي الضياف وخير الدين التونسي باشا، مجلة المستقبل العربي، العدد 196، السنة 18، حزيران، يونيو، 1995، ص93.
24 ـ المصدر نفسه، ص94.
25 ـ الإتحاف، ج1، ص32.
26 ـ التركي، المصدر نفسه السابق، ص151.
27 ـ فهمي جدعان. أسس التقدم عند مفكري الإسلام، دار الشروق، عمّان 1988،ص148.
28 ـ الإتحاف، ج1، ص 18، 19، 53، ج2، ص155، ج4، ص204، ج2، ص38، 16، 12 ـ 13.
29 ـ نوربير تابيرو، الكواكبي، المفكر الثائر، ترجمة علي سلامة، دار الآداب، بيروت، 1980، ص8.
30 ـ أحمد عبد السلام، دراسات في مصطلح السياسة عند العربي، الشركة التونسية، 1978، ص189 .
L – es historines Funsisens du Xvlle Xvll. etXlX si des eesai, d.
Histoire. Culturelle. Paris. 1973.
31 ـ عبد السلام، المصدر السابق، ص162.
32 ـ الكواكبي، المصدر نفسه، ص45.
33 ـ محمد جمال الطحان، الوحدة العربية والرابطة الدينية في الحكومات العادلة، دراسة في فكر الكواكبي، مجلة المستقبل العربي، العدد 196، السنة 18، حزيران، يونيو، 1995، ص143.
34 ـ الإتحاف، ج1، ص15.
35 ـ جدعان، المصدر نفسه، ص149.
36 ـ الإتحاف، ج1، ص28.
37 ـ المصدر نفسه، ج1، ص33.
38 ـ المصدر نفسه، ج1، ص46.
* عهد الأمان: هو عبارة عن قانون أساسي أصدره الباي محمد في 10/9/1857م، وهو يتضمن إحدى عشرة قاعدة، كان قد كلف ابن أبي الضياف بتحريرها، ثم ألفت لجنة لتهذيبه، انتهت من عملها بعد أربع سنوات تقريبا على عهد محمد الصادق باي 1859 ـ 1882م، ومن أهم قواعده:
1 ـ تأكيد الأمان لسائر الرعية.
2 ـ المساواة بين المسلم وغيره "في استحقاق الإنصاف".
3 ـ الحرية في الاعتقاد "الذمي من الرعية لا يجبر على تبديل دينه".
4 ـ المساواة في الحقوق والعقوبات وأصول القانون أو العهد وخاصة أهل "جربة وغالب العربان ومن له صلة بالفلاحة" انظر، الإتحاف، ص89.
39 ـ الإتحاف، ج1، ص56.
40 ـ المصدر نفسه والصفحة ذاتها.
41 ـ الكواكبي، المصدر السابق، ص347.
42 ـ المصدر نفسه والصفحة ذاتها.
43 ـ المصدر نفسه، ص470.
44 ـElizer Tauber, The Emergonce of The Arab Movements, London, 1993, p26.
45 ـ عمارة، المصدر السابق، ص161.
46 ـ القاضي، المصدر السابق، 74.
47 ـ الإتحاف، ج1، ص53.
48 ـ سورة آل عمران، الآية 159.
49 ـ الإتحاف، ج1، ص53.
50 ـ المصدر نفسه، ج1، ص53 ـ 84.
51 ـ المصدر نفسه، ج1، ص83.
52 ـ الكواكبي، المصدر السابق، 438.
53 ـ نوربير تابيرو، المصدر السابق، ص35.
54 ـ أحمد عبد السلام، ملاحظات في معنى الإصلاح عند خير الدين وابن أبي الضياف في تونس، في القرن التاسع عشر، الإصلاح، المجتمع المغربي (مصدر سابق)، ص141.
55 ـ Ahmed. jdey. Ahmed. Ibe. Dhiaf. Son oever. Sa. pensee. Essain.
d. historie. Culturelle. .1995. Tunis.p.l
56 ـ ز. ي. ليفين، تاريخ الفكر الاجتماعي الحديث، لبنان وسوريا ومصر، ترجمة بشير السباعي، دار ابن خلدون، بيروت 1987; حول مكانة الكواكبي في الفكر القومي العربي، انظر الدراسة الرصينة لإبراهيم بيضون. مرآة قومية في فكر عبد الرحمن الكواكبي، حوليات كلية الآداب العربية، معهد الدراسات الشرقية، جامعة القديس يوسف، المجلد 6، 1991 ـ 1992، ص69.
57 ـ عبد الله حنا، النهضة والاستبداد، دار الأهالي، دمشق، 1994، ص70.
58 ـ عبد العزيز الدوري، التكوين التاريخي للأمة العربية، دراسة في الهوية والوعي، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1986، ص161 ـ 169.
59 ـ الإتحاف، ج1، ص85.
60 ـ محمد الهادي الشريف، مشكلة الإصلاحات، تونس وارتباطها بمسألة العلاقات التونسية العثمانية حوالي 1840، الإصلاح والمجتمع المغربي، مصدر سابق، ص137.
61 ـ عبد الله العروي، مفهوم الحرية، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط4، 1988، ص48.
62 ـ الإتحاف، ج1، ص16.
63 ـ المصدر نفسه، ج1، ص43.
64 ـ المصدر نفسه، ج1، ص87.
65 ـ الكواكبي، المصدر نفسه، ص461.
66 ـ المصدر نفسه، ص481.
67 ـ المصدر نفسه، ص523.
68 ـ الإتحاف، ج1، ص51.
69 ـ المصدر نفسه، ج1، ص21 ـ 40.
70 ـ سهيلة الريماوي، عبد الرحمن الكواكبي، دراسة في فكره السياسي، مجلة دراسات تاريخية، السنة7، العددان 23 ـ 24، أيلول، كانون أول 1989، ص33.
71 ـ الكواكبي، المصدر السابق، ص53.
72 ـ المصدر نفسه، ص531.
73 ـ Tauber. op. Cit. 26.
74 ـ جمعة الشيخ، المنطلقات الأساسية للإصلاح الاجتماعي لدى ابن أبي الضياف، الملك المقيد بقانون، ملتقى ابن أبي الضياف، مصدر سابق، ص94، 103، 108.
75 ـ فهمي جدعان، نظرية التراث، دراسات إسلامية أخرى، دار الشروق، عمان، ط1، 1985، ص116 ـ 117.
76 ـ فاضل رسول، الدين والدولة وصراعات الشرعية، مجلة الحوار، العدد6، ص62.
77 ـ المرجع نفسه، ص62.
78 ـ حسن الأسدي، ثورة النجف، بغداد، منشورات وزارة الأعلام، 1970، ص69.
79 ـ صدر الكتاب بالفارسية في العام 1327هـ/ 1909م. ثم جددت طباعته في العام 1955.
* على أثر حركة مصدق. وتجدر الإشارة إلى أن هناك ترجمة عربية لبعض فصوله في مجلة العرفان، وهذه الترجمة قام بها صالح الجعفري عام 1930 في النجف بعنوان "الاستبدادية والديمقراطية" والى هذه الترجمة رجعنا في هذه الدراسة.
80 ـ حسين نائيني: "الاستبدادية والديمقراطية"، العرفان، مجلد 20، ج1، ص44.
81 ـ المصدر نفسه، ص44.
82 - المصدر نفسه، ص45.
83 ـ المصدر نفسه، ص45.
84 ـ المصدر نفسه، ص45 ـ 46.
85 ـ المصدر نفسه، مجلد 20، ج2، ص172.
86 ـ المصدر نفسه، ص175.
87 ـ المصدر نفسه، ص174.
88 ـ المصدر نفسه، ص176.
* الأصلان المقصودان في نص النائيني همان: حرية الأمة ومساواتها بشخص السلطان.
89 ـ المصدر نفسه، ص178 ـ 179. والمقصود في هذين الأصلين: الحرية والمساواة.
90 ـ المصدر نفسه، مجلد 20، ج4، ص434.
91 ـ المصدر نفسه، ص435.
92 ـ المصدر نفسه، ص434 ـ 435.
93 ـ المصدر نفسه، ص435.
94 ـ المصدر نفسه، مجلد 20، ج5، كانون الأول 1930، ص568.
95 ـ المصدر نفسه، ص570.
96 ـ المصدر نفسه، ص560. ويقصد النائيني بالقوة الخارجية، القوة التمثيلية للأمة التي هي خارج القوة الإجرائية للحاكم أو الوالي، كما يفهم من سياق النص.
97 ـ المصدر نفسه، ص571.
98 ـ المصدر نفسه، ص437 ـ 438.
* يجدر التذكير بأن السيد محمود الطالقاني هو الذي أعاد تحقيق الكتاب ونشره في العام 1955.